وحكايات عربية اُخرى
{
}
 
الصفحة الرئيسية > ألف ليلة وليلة > وفي الليلة السابعة والأربعين

الحكاية السابقة : في الليلة السادسة والأربعين


وفي الليلة السابعة والأربعين

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال لزوجته: أما تعلمين أن وراءنا عدواً يقال له المعين بن ساوي ومتى سمع بهذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له: إن وزيرك الذي تزعم أنه يحبك أخذ منك عشرة آلاف دينار واشترى بها جارية ما رأى أحد مثلها فلما أعجبته قال لابنه: خذها أنت أحق بها من السلطان فأخذها وأزال بكارتها وها هي الجارية عنده فيقول الملك تكذب فيقول للملك عن إذنك أهجم عليه وآتيك بها فيأذن له في ذلك فيهجم على الدار ويأخذ الجارية ويحضرها بين يدي السلطان ثم يسألها فلا تقدر أن تنكر فيقول له يا سيدي أنت تعلم أني ناصح لك ولكن ما لي عندكم حظ فيمثل بي السلطان والناس كلهم يتفرجون علي وتروح روحي. فقالت له زوجته: لا تعلم أحد وسلم أمرك إلى الله في هذه القضية فعند ذلك سكن قلب الوزير وطاب خاطره. هذا ما كان من أمر الوزير، وأما ما كان من أمر علي نور الدين فإنه خاف عاقبة الأمر فكان يقضي نهاره في البساتين ولا يأتي إلا في آخر الليل لأمه فينام عندها ويقوم قبل الصبح ولا يراه أحد،ولم يزل كذلك شهراً وهو لم ير وجه أبيه، فقالت أمه لأبيه: يا سيدي هل تعدم الجارية وتعدم الولد، فإن طال هذا الأمر على الولد هج، قال لها: وكيف العمل؟ قالت: أسهر هذه الليلة فإذا جاء فأمسكه واصطلح أنت وإياه وأعطه الجارية إنها تحبه وهو يحبها وأعطيك ثمنها. فسهر الوزير طول الليل فلما أتى ولده أمسكه وأراد نحره فأدركته أمه وقالت له: أي شيء تريد أن تفعل معه؟ فقال لها: أريد أن أذبحه فقال الولد لأبيه: هل أهون عليك؟ فتغرغرت عيناه بالدموع وقال له: يا ولدي كيف هان عليك ذهاب مالي وروحي؟ فقال الصبي: اسمع يا والدي مقال الشاعر: هبني جنيت فلم تزل أهل النهـي يهبون للجاني شماحـاً شـامـلا ماذا عسى يرجو عدوك وهو فـي درك الحضيض وأنت أعلى منزلا فعند ذلك قام الوزير من على صدر ولده وأشفق عليه وقام الصبي وقبل يد والده فقال: يا ولدي لو علمت أنك تنصف أنيس الجليس كنت وهبتها لك، فقال يا والدي كيف لا أنصفها قال: أوصيك يا ولدي أنك لا تتزوج عليها ولا تضاررها ولا تبعها، قال له: يا والدي أنا أحلف لك أن لا أتزوج عليها، ولا أبيعها ثم حلف له أيماناً على ما ذكر ودخل على الجارية فأقام معها سنة، وأنسى الله تعالى الملك قصة الجارية. وأما المعين بن ساوي فإنه بلغه الخبر ولكنه لم يقدر أن يتكلم لعظم منزلة الوزير عند السلطان فلما مضت السنة دخل الوزير فضل الدين بن خاقان الحمام وخرج وهو عرقان، فأصابه الهواء فلزم الوساد وطال به السهاد وتسلسل به الضعف فعند ذلك نادى ولده علي نور الدين فلما حضر بين يديه قال له: يا ولدي أن الرزق مقسوم والأجل محتوم ولا بد لكل نسمة من شرب كأس المنون وأنشد هذه الأبيات: من فاته الموت لـم يفـتـه غـدا والكل منا على حوض الردى وردا سوى العظم بمن قد كان محتـقـرا ولم يدع هبة بـين الـورى أحـدا لم يبق من ملك كـلا ولا مـلـك ولا نـبـي يعـيش دائمـاً أبــدا ثم قال: يا ولدي مالي عندك وصية إلا تقوى الله والنظر في العواقب وأن تستوصي بالجارية أنيس الجليس فقال له: يا أبت ومن مثلك وقد كنت معروفاً بفعل الخير ودعاء الخطباء لك على المنابر فقال: يا ولدي أرجو من الله تعالى القبول ثم نطق الشهادتين وشهق شهقة فكتب من أهل السعادة فعند ذلك امتلأ القصر بالصراخ ووصل الخبر إلى السلطان وسمعت أهل المدينة بوفاة الفضل بن خاقان فبكت عليه الصبيان في مكاتبها ونهض ولده علي نور الدين وجهزه وحضرت الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وأهل المدينة مشهده وكان ممن حضروا الجنازة الوزير المعين بن ساوي وأنشد بعضهم عند خروج جنازته من الدار هذه الأبيات:

قد قلت للرجل المولى غسلـه هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه ماءك ثم غسـلـه بـمـا أذرت عيون المجد عند بكـائه
وأزل مجاميع الحنوط ونحهـا عنه وحنطه بطـيب ثـنـائه
ومر الملائكة الكرام بحمـلـه شرفاً ألست تراهموا بـإزائه
لاتوه أعناق الرجال بحمـلـه يكفي الذي حملوه من نعمـائه

ثم مكث علي نور الدين، شديد الحزن على والده مدة مديدة فبينما هو جالس يوماً من الأيام في بيت والده إذ طرق الباب طارق فنهض علي نور الدين وفتح الباب وإذا برجل من ندماء والده وأصحابه فقبل يد علي نور الدين، وقال: يا سيدي من خلف مثلك ما مات وهذا مصير سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يا سيدي طب نفساً ودع الحزن فعند ذلك نهض علي نور الدين إلى قاعة الجلوس ونقل إليها ما يحتاج إليه واجتمع عليه أصحابه وأخذ جاريته واجتمع عليه عشرة من أولاد التجار ثم إنه أكل الطعام وشرب الشراب وجدد مقاماً بعد مقام وصار يعطي ويتكرم، فعند ذلك دخل عليه وكيله وقال له: يا سيدي علي نور الدين أما سمعت قول بعضهم من ينفق ولم يحسب افتقر، ولقد أحسن من قال هذه الأبيات: أصون دراهمي وأذب عنـهـا لعلمي أنها سيفـي وتـرسـي أأبذلهـا إلـى أعـدا الأعـادي وأبذل في الورى سعدي بنحسي فيأكلها ويشـربـهـا هـنـيئاً ولا يسخو لي أحـد بـفـلـس وأحفظ درهمي عن كل شخص لئيم الطبع لا يصفو لأنـسـي أحب إلي مـن قـول لـنـذل أنلني درهماً لغـد بـخـمـس فيعرض وجهه ويصـدعـنـي فتبقى مثل نفس الكلب نفسـي فيا ذل الرجـال بـغـير مـال ولو كانت فضائلهم كشـمـس ثم قال: يا سيدي النفقة الجزيلة والمواهب العظيمة تفني المال فلما سمع علي نور الدين من وكيله هذا الكلام نظر إليه وقال له: جميع ما قلته لا أسمع منه كلمة فما أحسن قول الشاعر: أنا ما ملكت المال يوماً ولـم أجـد فلا بسطت كفي ولا نهضت رجلي فهاتوا بخيلاً نال مجداً بـبـخـلـه وهاتوا أروني باذلاً مات من بـذل ثم قال: اعلم أيها الوكيل أني أريد إذا فضل عندك ما يكفيني لغدائي أن لا تحملني هم عشائي فانصرف الوكيل من عنده إلى حال سبيله وأقبل علي نور الدين ما هو فيه من مكارم الأخلاق وكل من يقول له من ندمائه أن هذا الشيء مليح يقول هو لك هبة أو يقول سيدي أن الدار الفلانية مليحة يقول هي لك هبة ولم يزل علي نور الدين يعقد لندمائه وأصحابه في أول النهار مجلساً وفي آخره مجلساً ومكث على هذا الحال سنة كاملة فبينما هو جالساً يوماً وإذا بالجارية تنشد هذين البيتين: أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنـت ولم تخف سوء ما يأتي به القدر وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا عند صفو الليالي يحدث الكـدر فلما فرغت من شعرها إذا بطارق يطرق الباب فقام علي نور الدين فتبعه بعض جلسائه من غير أن يعلم به فلما فتح الباب رآه وكيله فقال له علي نور الدين: ما الخبر؟ فقال له: يا سيدي الذي كنا أخافه عليك منه قد وقع لك قال: وكيف ذلك؟ قال: اعلم أنه ما بقي لك تحت يدي شيء يساوي درهماً ولا أقل من درهم وهذه دفاتر المصروف الذي صرفته ودفاتر أصل مالك، فلما سمع علي نور الدين هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فلما سمع الرجل الذي تبعها خفية، وخرج ليسأل عليه وماقاله الوكيل رجع إلى أصحابه وقال لهم: انظروا أي شيء تعملون فإن علي نور الدين قد أفلس فلما رجع إليهم علي نور الدين قد أفلس فلما رجع إليهم علي نور الدين ظهر لهم الغم في وجهه فعند ذلك نهض واحد من الندماء على قدميه، ونظر إلى علي نور الدين وقال له: يا سيدي إني أريد أن تأذن لي بالانصراف، فقال علي نور الدين: لماذا الانصراف في هذا اليوم؟ فقال: إن زوجتي تلد في هذه الليلة ولا يمكنني أن أتخلف عنها واريد أن أذهب إليها وأنظرها فأذن له ونهض آخر وقال له: يا سيدي نور الدين أريد اليوم أن أحضر عند أخي فإنه يطاهر ولده وكل واحد يستأذنه إلى حال سبيله حتى انصرفوا كلهم وبقي علي نور الدين وحده فعند ذلك دعا جاريته وقال: يا أنيس الجليس أما تنظرين ما حل بي وحكى لها ما قاله الوكيل فقالت: يا سيدي منذ ليال هممت أن أقول لك على هذا الحال فسمعتك تنشد هذين البيتين:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا على الناس طرأ قبل ان تتفلت
فلا جود يفنيها إذا هي أقبلـت ولا الشح يبقيها إذا هي ولـت

فلما سمعتك تنشدهما ولم أبد لك خطاباً فقال لها: يا أنيس الجليس أنت تعرفين أني ما صرفت مالي إلا على أصحابي وأظنهم لا يتركونني من غير مؤاساة، فقالت أنيس الجليس: والله ما ينفعونك بنافعة، فقال علي نور الدين: فأنا في هذه الساعة أقوم واروح إليهم وأطرق أبوابهم لعلي أنال منهم شيئاً فأجعله في يدي رأس مال وأتجر فيه وأترك اللهو واللعب. ثم إنه نهض من وقته وساعته وما زال سائراً حتى أقبل على الزقاق الذي فيه أصحابه العشرة وكانوا كلهم ساكنين في ذلك الزقاق، فتقدم إلى أول باب وطرقه فخرجت له جارية وقالت له: من أنت؟ فقال: قولي لسيدك علي نور الدين واقف في الباب ويقول لك مملوكك يقبل أياديك وينتظر فضلك، فدخلت الجارية وأعلمت سيدها فصاح عليها وقال لها: ارجعي وقول له: ما هو هنا، فرجعت الجارية إلى علي نور الدين وقالت له: يا سيدي إن سيدي ما هو هنا، فتوجه علي نور الدين وقال في نفسه: إن كان هذا ولد زنا وأنكر نفسه فغيره ما هو ولد زنا، ثم تقدم إلى الباب الثاني وقال كما قال أولاً فأنكر الآخر نفسه فعند ذلك أنشد هذا البيت: ذهب الذين إذا وقفت ببابهـم منوا عليك بما تريد من الندى فلما فرغ من شعره قال: والله لا بد أن أمتحنهم كلهم عسى أن يكون فيهم واحد يقوم مقام الجميع، فدار على العشرة فلم يجد أحداً منهم فتح له الباب ولا أراه نفسه ولا أمر له برغيف فأنشد هذه الأبيات: المرء في زمن الإقبال كالشجـرة فالناس من حولها ما دامت الثمرة حتى إذا أسقطت كل الذي حملت تفرقوا وأرادوا غيرها شـجـرة تباً لأبناء هذا الـدهـر كـلـهـم فلم أجد واحداً يصفو من العشرة ثم إنه رجع إلى جاريته وقد تزايد همه فقالت له: يا سيدي أما قلت لكإنهم لا ينفعونك بنافعة؟ فقال: والله ما فيهم من أراني وجهه فقالت له: يا سيدي بع من أثاث البيت شيئاً فشيئاً وأنفق فباع إلى أن باع جميع ما في البيت ولم يبق عنده شيء، فعند ذلك نظر إلى أنيس الجليس وقال لها: ماذا نفعل الآن؟ قالت له: يا سيدي عندي من الرأي أن تقوم في هذه الساعة وتنزل إلى السوق فتبيعني وأنت تعلم أن والدك كان قد اشتراني بعشرة آلاف دينار فلعل الله يفتح عليك ببعض هذا الثمن، وإذا قدر الله باجتماعنا نجتمع، فقال لها: يا أنيس الجليس ما يهون علي فراقك ساعة واحدة، فقالت له: ولا أنا كذلك لكن للضرورة أحكام كما قال الشاعر: تلجئ الضرورات في الأمور إلى سلـوك مـا لا يلـيق بـالأدب ما حامل نفسه عـلـى سـبـب إلا لأمـر يلـيق بـالـسـبـب فعند ذلك أخذت دموع أنيس الجليس تسيل على خديه، ثم أنشد هذين البيتين: قفوا زودوني نظرة قبل فراقكم أعلل قلباً كاد بالبـين يتـلـف فإن كان تزويدي بذلك كـلـفة دعوني في وجدي ولا تتكلفوا ثم مضى وسلمها إلى الدلال وقال له: أعرف مقدار ما تنادي عليه فقال له الدلال: يا سيدي علي نور الدين الأصول محفوظة، ثم قال له: أها هي أنيس الجليس الذي كان اشتراها والدك مني بعشرة آلاف دينار؟ قال: نعم، فعند ذلك طلع الدلال إلى التجار فوجدهم لم يجتمعوا كلهم فصبر حتى اجتمع سائر التجار وامتلأ السوق بسائر أجناس الجواري من تركية ورومية وشركسية وجرجية وحبشية فلما نظر الدلال إلى ازدحام السوق نهض قائماً وقال: يا تجار يا أرباب الأموال ما كل مدور جوزة ولا كل مستطيلة موزة ولا كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة ولا كل صهباء خمرة ولا كل سمراء تمرة، يا تجار هذه الدرة اليتيمة التي لا تفي الأموال لها بقية بكم تفتحون باب الثمن، فقال واحد بأربعة آلاف دينار وخمسمائة، وإذا بالوزير المعين بن ساوي في السوق فنظر علي نور الدين واقفاً في السوق فقال في نفسه: ما باله واقفاً فإنه ما بقي عنده شيء يشتري به جواري، ثم نظر بعينيه فسمع المنادي وهو واقف ينادي في السوق والتجار حوله. فقال الوزير في نفسه: ما أظنه إلا أفلس ونزل بالجارية ليبيعها، ثم قال في نفسه إن صح ذلك فما أبرده على قلبي، ثم دعا المنادي فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه فقال: إني أريد هذه الجارية التي تنادي عليها فلم يمكنه المخالفة فجاء بالجارية وقدمها بين يديه، فلما نظر إليها وتأمل محاسنها من قامتها الرشيقة وألفاظها الرقيقة أعجبتها فقال له: إلى كم وصل ثمنها فقال: أربعة آلاف وخمسمائة دينار، فلما سمع ذلك التجار ما قدر واحد منهم أن يزيد درهماً ولا ديناراً بل تأخروا لمايعلمون من ظلم ذلك الوزير. ثم نظر الوزير معين بن ساوي إلى الدلال وقال: ما سبب وقوفك، رح والجارية على أربعة آلاف ولك خمسمائة دينار، فراح الدلال إلى علي نور الدين وقال له: راحت الجارية عليك بلا ثمن فقال له: وماسبب ذلك؟ فقال له: نحن فتحنا باب سعرها بأربعة آلاف وخمسمائة دينار فجاء هذا الظالم المعين بن ساوي ودخل السوق فلما نظر الجارية أعجبته وقال لي شاور على أربعة آلاف ولك خمسمائة وما أظنه إلا يعرف أن الجارية لك فإن كان يعطيك ثمنها في هذه الساعة يكون ذلك من فضل الله، لكن أنا أعرف من ظلمه أنه يكتب لك ورقة حوالة على بعض عملائه ثم يرسل إليهم ويقول: لا تعطوه شيئاً فكلما ذهبت إليهم لتطالبهم يقولون: في غد نعطيك ولا يزالون يعدونك ويخلفون يوماً بعد يوم وأنت عزيز النفس، وبعد أن يضجوا من مطالبتك إياهم يقولون أعطنا ورقة الحوالة إذا أخذوا الورقة منك قطعوها وراح عليك ثمن الجارية. فلما سمع علي نور الدين من الدلال هذا الكلام نظر إليه وقال له: كيف يكون العمل؟ فقال له: أنا أشير عليك بمشورة فإن قبلتها مني كان لك الحظ الأوفر قال: تجيء في هذه الساعة عندي وأنا واقف وسط السوق وتأخذ الجارية من يدي وتلكمها وتقول لها: ويلك قد فديت يميني التي حلفتها ونزلت بك السوق حيث حلفت عليك أنه لا بد من إخراجك إلى السوق ومناداة الدلال عليك فإن فعلت ذلك ربما تدخل عليه الحيلة وعلى الناس ويعتقدون أنك ما نزلت بها إلا لأجل إبراز اليمين، فقال هذا هو الرأي الصائب، ثم إن الدلال فارقه وجاء إلى وسط السوق وأمسك يد الجارية وأشار إلى الوزير المعين بن ساوي وقال: يا مولاي هذا مالكها قد اقبل ثم جاء علي نور الدين إلى الدلال ونزع الجارية من يده ولكمها وقال: ويلك قد نزلت بك إلى السوق لأجل إبرار يميني. روحي إلى البيت وبعد ذلك لا تخالفيني فلست محتاجاً إلى ثمنك حتى أبيعك وأنا لو بعت أثاث البيت وأمثاله مرات عديدة ما بلغ قدر ثمنك. فلما نظر المعين بن ساوي إلى علي نور الدين قال له: ويلك وهل بقي عندك شيء يباع ويشترى، ثم إن المعين بن ساوي أراد أن يبطش به فعند ذلك نظر التجار إلى علي نور الدين وكانوا كلهم يحبونه فقال لهم: ها أنا بين أيديكم وقد عرفتم ظلمه، فقال الوزير: والله لولا أنتم لقتلته، ثم رمزوا كلهم إلى بعضهم بعين الإشارة وقالوا: ما أحد منا يدخل بينك وبينه، فعند ذلك تقدم علي نور الدين إلى الوزير بن ساوي وكان علي نور الدين شجاعاً فجذب الوزير من فوق سرجه فرماه إلى الأرض وكان هناك معجنة طين فوقع الوزير في وسطها وجعل نور الدين يلكمه فجاءت لكمة على أسنانه فاختضبت لحيته بدمه وكان مع الوزير عشرة مماليك فلما رأوا نور الدين يفعل بسيدهم هذه الأفعال وضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم وأرادوا أن يهجموا على نور الدين ويقطعونه وإذا بالناس قالوا للمماليك: هذا وزير وهذا ابن وزير وربما اصطلحا مع بعضهما وتكونون مبغوضين عند كل منهما وربما جاءت فيه ضربة فتموتون جميعاً اقبح الموتات ومن الرأي أن لا تدخلوا بينهما، فلما فرغ علي نور الدين من ضرب الوزير أخذ جاريته ومضى إلى داره وأما الوزير ابن ساوي فإنه قام من ساعته وكان قماش ثيابه أبيض فصار ملوناً بثلاثة ألوان الطين ولون الدم ولون الرماد فلما رأى نفسه على هذه الحالة أخذ برشاً وجعله في رقبته وأخذ في يده حزمتين من محلفه وسار إلى أن وقف تحت القصر الذي فيه السلطان وصاح: يا ملك الزمان مظلوم، فأحضروه بين يديه فتأمله فرآه وزيره المعين بن ساوي فقال له: من فعل بك هذه الفعال؟ فبكى وانتحب وأنشد هذين البيتين:

أيظلمني الزمـان وأنـت فـيه وتأكلني الكلاب وأنت لـيث
ويروى من حـياضــك كل حـى وأعطـش في حماك وأنت غيث

ثم قال: يا سيدي هكذا كل من يحبك ويخدمك تجري له هذه المشاق، قال له: ومن فعل بك هذه الفعال؟ فقال الوزير: اعلم أني خرجت اليوم إلى سوق الجواري لعلي أشتري جارية طباخة فرأيت في السوق جارية ما رأيت طول عمري مثلها فقال الدلال أنها لعلي بن خاقان وكان مولانا السلطان أعطى إياه سابقاً عشرة آلاف دينار ليشتري له بها جارية مليحة فاشترى تلك الجارية فأعجبته فأعطاها لولده فلما مات أبوه سلك طريق الإسراف حتى باع جميع ما عنده من الأملك والبساتين والأواني فلما أفلس ولم يبق عنده شيء نزل بالجارية إلى السوق على أن يبيعها ثم سلمها إلى الدلال فنادى عليها وتزايد فيها التجار حتى بلغ أربعة آلاف دينار، فلما سمع كلامي نظر إلي وقال: يا شيخ النحس أبيعها لليهود والنصارى ولا أبيعها لك، فقلت: أنا ما اشتريتها لنفسي وإنما اشتريتها لمولانا السلطان الذي هو ولي نعمتنا. فلما سمع مني هذا الكلام اغتاظ وجذبني ورماني عن الجواد وأنا شيخ كبير وضربني ولم يزل يضربني حتى تركني كما تراني، وأنا ما أوقعني في هذا كله إلا أني جئت لأشتري هذه الجارية لسعادتك ثم إن الوزير رمى نفسه على الأرض وجعل يبكي ويرتعد، فلما نظر السلطان حالته وسمع مقالته قام عرق الغضب بين عينيه، ثم التفت إلى من بحضرته من أرباب الدولة، وإذا بأربعين من ضاربي السيف وقفوا بين يديه فقال لهم: انزلوا في هذه الساعة إلى دار ابن خاقان وانهبوها واهدموها وآتوني به وبالجارية مكتفين واسحبوهما على وجوههما واتوا بهما بين يدي فقالوا: السمع والطاعة، ثم إنهم قصدوا المسير إلى علي نور الدين وكان عند السلطان حاجب يقال له علم الدين مضجر وكان من مماليك الفضل بن خاقان والد علي نور الدين فلما سمع أمر السلطان ورأى الأعداء تهيئوا إلى قتل ابن سيده لم يهن عليه ذلك، فركب جواده وسار إلى أن أتى بيت علي نور الدين فطرق الباب فخرج له علي نور الدين فلما رآه عرفه وأراد أن يسلم عليه فقال: يا سيدي ما هذا وقت سلام ولا كلام واسمع ما قال الشاعر: ونفسك فز بها إن خفت ضيماً وخل الدار تنعي من بناهـا فإنك واجد أرضـاً بـأرض ونفسك لم تجد نفساً سواهـا فقال علي نور الدين: ما الخبر؟ فقال: انهض وفز بنفسك أنت والجارية فإن المعين بن ساوي نصب لكما شركاً ومتى وقعتما في يده قتلكما وقد أرسل إليكما السلطان أربعين ضارباً بالسيف والرأي عندي أن تهربا قبل أن يحل الضرر بكما، ثم إن سنجر مد يده إلى علي نور الدين بدنانير فعدها فوجدها أربعين ديناراً وقال له: يا سيدي خذ هذه الدنانير ولو كان معي أكثر من ذلك لأعطيتك إياه لكن ما هذا وقت معاتبة، فعند ذلك دخل علي نور الدين على الجارية وأعلمها بذلك فتخبلت، ثم خرج الاثنان في الوقت إلى ظاهر المدينة وأرسل الله عليهما ستره ومشيا إلى ساحل البحر فوجدا مركباً تجهز للسفر والريس واقف في وسط المركب يقول: من بقي له حاجة من وداع أو زوادة أو نسي حاجته فليأت بها فإننا متوجهون، فقال كلهم: لم يبق لنا حاجة يا ريس، فعندئذ قال الريس لجماعته: هيا حلوا الطرف واقلعوا الأوتاد فقال نور الدين: إلى أين يا ريس؟ فقال: إلى دار السلام بغداد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الحكاية التالية : وفي الليلة الثامنة والأربعين