وحكايات عربية اُخرى
{
}
 
الصفحة الرئيسية > ألف ليلة وليلة > وفي الليلة الرابعة والأربعين

الحكاية السابقة : وفي الليلة الثالثة والأربعين


وفي الليلة الرابعة والأربعين

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صفع صاحب الدار قال له الرجل: ما هذا يا أسفل العالمين؟ فقال: يا سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك وأطعمته الزاد وأسقيته الخمر العتيق فسكر وعربد عليك ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهل فلما سمع صاحب المنزل كلام أخي ضحك ضحكاً عالياً ثم قال: إن لي زماناً طويلاً أسخر بالناس وأهزأ بجميع أصحاب المزاح والمجون ما رأيت منهم من له طاقة على أن أفعل به هذه السخرية ولا من له فطنة يدخل بها في جميع أموري غيرك والآن عفوت عنك، فكن نديمي على الحقيقة ولا تفارقني ثم أمر بإخراج عدة من أنواع الطعام المذكورة أولاً فأكل هو وأخي حتى اكتفيا ثم انتقلا إلى مجلس الشراب فإذا فيه جوار كأن به الأقمار فغنين بجميع الألحان واشتغلن بجميع الملاهي ثم شربا حتى غلب عليهما السكر وأنس الرجل بأخي حتى كأنه أخوه وأحبه محبة عظيمة، وخلع عليه خلعة سنية.

فلما أصبح الصباح عادا لما كانا عليه من الأكل والشرب ولم يزالا كذلك مدة عشرين سنة ثم أن الرجل مات وقبض السلطان على ماله واحتوى عليه فخرج أخي من البلد هارباً فلما وصل إلى نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه وصار الذي أسره يعذبه ويقول له: اشتر روحك مني بالأموال وإلا أقتلك فجعل أخي يبكي ويقول: أنا والله لا أملك شيئاً يا شيخ العرب، ولا أعرف طريق شيء من لمال وأنا أسيرك وصرت في يدك فافعل بي ما شئت فأخرج البدوي الجبار من حزامه سكيناً عريضة لو نزلت على رقبة جمل لقطعتها من الوريد إلى الوريد وأخذها في يده اليمنى وتقدم إلى أخي المسكين وقطع بها شفتيه وشك عليه في المطالبة وكان للبدوي زوجة حسنة وكان إذا أخرج البدوي تتعرض لأخي وتراوده عن نفسه وهو يمتنع حياء من الله تعالى فاتفق أن راودت أخي يوماً من الأيام فقام ولاعبها وأجلسها في حجره فبينما هما كذلك وإذا يزوجها داخل عليهما فلما نظر إلى أخي قال له: ويلك يا خبيث أتريد الآن أن تفسد علي زوجتي وأخرج سكيناً وقطع بها ذكره وحمله على جمل وطرحه فوق جبل وتركه وسار إلى حال سبيله فجاز عليه المسافرون فعرفوه فأطعموه وأسقوه وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته، ودخلت به المدينة ورتبت له ما يكفيه وها أنا جئت عندك يا أمير المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك، فيكون ذلك غلطاً وورائي ستة أخوة وأنا أقوم بهم. فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته به عن أخوتي، ضحك وقال: صدقت يا صامت أنت قليل الكلام ما عندك فضول ولكن الآن أخرج من هذه المدينة وأسكن غيرها ثم نفاني من بغداد فلم أزل سائراً في البلاد حتى طفت الأقاليم إلى أن سمعت بموته وخلافة غيره فرجعت إلى المدينة فوجدته مات ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال ولولاي أنا لقتل وقد اتهمني بشيء ما هو في جميع ما نقله عني من الفضول وكثرة الكلام وكثافة الطبع وعدم الذوق باطل يا جماعة. ثم قال الخياط لملك الصين، فلما سمعنا قصة المزين وتحققنا فضوله وكثرة كلامه وأن الشاب مظلوم معه أخذنا المزين وقبضنا عليه وحبسناه وجلسنا حوله آمنين ثم أكلنا وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حالة ولم نزل جالسين إلى أن أذن العصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتي فقالت: إن طول النهار، في حظك وأنا قاعدة في البيت حزينة فإن لم تخرجي وتفرجني بقية النهار كان ذلك سبب فراقي منك فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء ثم رجعنا فلقينا هذا الأحدب والسكر طافح منه وهو ينشد هذين البيتين: رق الزجاج وراقت الخمر فتشابها وتشاكـل الأمـر فكأنما خـمـر ولا قـدح وكأنما قدح ولا خـمـر فعزمت عليه فأجابني وخرجت لأشتري سمكاً مقلياً فاشتريت ورجعت ثم جلسنا نأكل، فأخذت زوجتي لقمة وقطعة سمك وأدخلتهما فمه وسدته فمات فحملته وتحايلت حتى رميته في بيت هذا الطبيب وتحايل الطبيب، حتى رماه في بيت المباشر الذي رماه في طريق السمسار وهذه قصة ما لقيته البارحة أما هي أعجب من قصة الحدب فلما سمع ملك الصين هذه القصة أمر بعض حجابه أن يمضوا مع الخياط ويحضروا المزين وقال لهم: لا بد من حضوره لأسمع كلامه ويكون ذلك سبباً في خلاصكم جميعاً، وندفن هذا الأحدب ونواريه في التراب فإنه ميت من أمس ثم نعمل له ضريحاً لأنه كان سبباً في اطلاعنا على هذه الأخبار العجيبة فما كان إلا ساعة حتى جاءت الحجاب هم والخياط بعد أن مضوا إلى الحبس وأخرجوا منه المزين وساروا به إلى أن أوقفوه بين يدي هذا الملك، فلما رآه تأمله فإذا هو شيخ كبير جاوز التسعين أسود الوجه أبيض اللحية والحواجب مقرطم الأذنين طويل الأنف في نفسه كبر فضحك الملك من رؤيته وقال: يا صامت أريد أن تحكي لي شيئاً من حكاياتك فقال المزين: يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا بطريق اليهودي وهذا المسلم وهذا الأحدب بينكم ميت وما سبب هذا الجمع فقال له ملك الصين: وما سؤالك عن هؤلاء؟ فقال: سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني غير فضولي ولا أشتغل بما لا يعنيني، وإنني بريء مما اتهموني به من كثرة الكلام. وأن لي نصيباً من اسمي حيث لقبوني بالصامت كما قال الشاعر:

وكلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه أن فتشت في لقبي

فقال الملك: اشرحوا للمزين حال هذا الأحدب وما جرى له في وقت العشاء واشرحوا له ما حكى النصراني وما حكى اليهودي وما حكى الخياط، فحكوا له حكايات الجميع فحرك المزين رأسه وقال: والله إن هذا الشيء عجيب اكشفوا لي عن هذا الأحدب فكشفوا له عنه فجلس عند رأسه وأخذ رأسه في حجره ونظر في وجهه وضحك ضحكاً عالياً حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك وقال: لكل موتة سبب من الأسباب وموتة هذا الأحدب من عجب العجاب يجب أن تؤرخ في المسجلات ليعتبر بما مضى ومن هو آت فتعجب الملك من كلامه وقال: يا صامت إحك لنا سبب كلامك هذا وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الحكاية التالية : وفي الليلة الخامسة والأربعين